المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حُكْمُ إِمامَةِ الفاسِقِ في الصَّلاة


بنت الأكابر
09-21-2022, 09:25 PM
حُكْمُ إِمامَةِ الفاسِقِ في الصَّلاة



إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: تُبْنَى الإمامةُ على الفضيلة؛ بحيث يكون الإمامُ هو أفْضَلُ القوم؛ لأنه هو القدوةُ لِمَنْ خَلْفَه.



ولا خِلافَ بين العلماء بكراهة الصلاة خلف الفاسِق؛ لعدم الوثوق به على المحافظة على الشروط، ولأن في تقديمه تقليلَ الجماعة، وقلَّما يرغبُ الناس في الاقتداءِ به[1].



والفاسق لا يخلو من حالين:

الحالة الأُولى:أن يكون الإمامُ فاسقًا من جهة الأعمال، كمرتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ كالزنا، والسرقة، وشُرب الخَمْر، أو مُصِرًّا على الصغائر.



الحالة الثانية: أن يكون الإمامُ فاسِقًا من جهة الاعتقاد؛ كالمعتزلة والأشاعرة.



فأمَّا الحالة الأُولى: وهي الفِسْقُ من جهة الأعمال؛ فقد اختلف العلماءُ فيها على قولين، أصَحُّهما: صحة الصلاة خلف الفاسق. وهو قول أبي حنيفة، وروايةٍ عن مالك، اختارها كثيرٌ من متأخِّري المالكية، وهو مذهب الشافعي، ورواية عن أحمد، واختاره الشيخان: ابن باز، وابن عثيمين - رَحِمَ اللهُ الجميعَ[2].



الأدلة:

1- عن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا؟». قَالَ: قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» رواه مسلم.



وجه الدلالة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ بالصلاة خلف أئمة الجَور، وجعلها نافلةً؛ لأنهم أَخَّروها عن وقتها، وظاهِرُه أنهم لو صَلُّوها في وقتها؛ لكان مأمورًا بالصلاة معهم فريضة، ولا شك أنَّ مَنْ أمات الصلاةَ وصلاَّها في غَيرِ وقتها غَيرُ عَدْل.



2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ [أي: الأُمراء والوُلاة]، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ [أي: فلكم ثَوابُ الصلاة، وعليهم عِقابُ ما أخطؤُوا]» رواه البخاري.



قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (الصحابةُ رضي الله عنهم - ومنهم ابنُ عمر - كانوا يُصلُّونَ خلفَ الحجَّاجِ[3]. وابنُ عُمرَ رضي الله عنهما مِن أشدِّ الناسِ تَحَرِّيًا لاتِّباعِ السُّنَّةِ واحتياطاً لها، والحجَّاجُ معروفٌ.



وأمَّا الدليلُ النَّظريُّ: فنقول: كلُّ مَن صحَّت صلاتُهُ صحَّت إمامتُه، ولا دليلَ على التفريقِ بين صحَّةِ الصَّلاةِ وصحَّةِ الإمامةِ، فما دام هذا يُصلِّي صلاةً صحيحةً؛ فكيف لا أُصلِّي وراءَه؛ لأنَّه إذا كان يفعلُ معصيةً فمعصيتُه على نفسِه، لكنْ لو فَعَلَ معصيةً تتعلَّقُ بالصَّلاةِ بأنْ كان هذا الإِمامُ إذا دخلَ في الصَّلاةِ أتى بما يُبطِلَها، فلا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه؛ لأنَّ صلاتَه لا تصحُّ؛ لفعلِهِ محرَّماً في الصَّلاةِ؛ لأنَّ معصيتَه تتعلَّقُ بالصَّلاةِ، أما إذا كانت معصيتُه خارجةً عنها فهي عليه)[4].



وأمَّا الحالة الثانية: الفاسق من جهة الاعتقاد – وهم أهل البدع، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأول: أنْ تكون البدعةُ مؤدِّيةً إلى الكفر؛ كالمُنْكِرِ لليوم الآخِر، أو عِلْمِ الله تعالى؛ كغُلاةِ الجهمية.



القسم الثاني: أنْ تكون البدعةُ لا تُؤَدِّي إلى الكُفر؛ كالمعتزلة والأشاعرة. فقد اختلف العلماءُ فيها على قولين، الراجح منهما: صِحَّةُ الصلاةِ خلفَه. وهو قول الحنفية، والشافعي، ورواية عن أحمد، واختاره الشيخ ابن باز - رَحِمَ اللهُ الجميعَ[5].



الأدلة:

1- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه - وَهْوَ مَحْصُورٌ – فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ: «الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ» رواه البخاري.



وجه الدلالة: أنَّ عثمان رضي الله عنه أجازَ الصلاةَ خلفَ هذا الإمام الذي خَرَجَ عليه، وشقَّ عصا المسلمين، فدلَّ على جواز الصلاة خلف المُبتَدِع.



2- كان ابن عمر رضي الله عنهما يُصَلِّي خلف الخوارجِ زمنَ ابنِ الزبير. قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: (وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ، وَعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ)[6]. وقال الإمام أحمد رحمه الله: (وأرى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي خَلْفَ الحَجَّاجِ – يعني: الجمعةَ والعيدين)[7]. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (تصحُّ الصلاةُ خلفَ المُبتَدِع، وخلفَ المُسْبِلِ إزارَه، وغيرِهما من العُصاة في أصَحِّ قَولَي العلماء، ما لم تكن البدعةُ مُكَفِّرَةً لصاحبها، فإنْ كانت مُكفِّرةً له؛ كالجهميِّ ونحوِه، مِمَّنْ بدعتُهم تُخرجهم عن دائرة الإسلام، فلا تَصِحُّ الصلاةُ خلفهم)[8].



والسؤال هنا: ما حُكم الصلاة خلف المُتعامِلِين بِالتَّمائم؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (الذين يتعاملون بالتمائم، يُنظَر في تمائمهم هذه: فإن كانت التمائمُ تتضمَّن شِركًا، ودُعاءً لغير الله، واستغاثةً بغير الله، واستنجادًا بغير الله؛ فإنَّ هذا شركٌ أكبر مُخرجٌ من الملة... وأمَّا إن كانت التمائمُ من القرآن، أو من أدعيةٍ مُباحة؛ فقد اختلف العلماءُ في تعليقها - سواء علَّقَها في الرَّقبة، أو على العَضُد، أو على الفَخِذ، أو جعَلَها تحت وِسادتِه، أو ما أشبه ذلك - والراجح– من أقوال أهل العلم عندي – أنها لا تجوز؛ لأنَّ ذلك لم يَرِدْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس من حَقِّنَا أنْ نُثْبِتَ سببًا لم ترِد به الشريعة).



والخلاصة – في إمامة المُتعامِلِين بالتَّمائِم: إنْ كانت هذه التمائم تتضمَّن شِركًا، ودُعاءً لغير الله، واستغاثةً بغير الله، واستنجادًا بغير الله؛ فإنَّها مُكَفِّرةٌ لصاحبها، ولا تَصِحُّ الصلاةُ خلفَه. وإنْ كانت هذه التمائمُ غيرَ مُكَفِّرةٍ لصاحبها؛ فتَصِحُّ الصلاةُ خلفَه – مع الكراهة - في أَصَحِّ قولَي العلماء.


[1] انظر: بدائع الصنائع، 01/ 156)؛ نهاية المحتاج، (2/ 174).

[2] انظر: المبسوط، (1/ 40)؛ المدونة، (1/ 83)؛ الخرشي، (2/ 32)؛ التاج والإكليل، (2/ 93) - المطبوع بحاشية مواهب الجليل؛ المجموع، (4/ 134)؛ المغني، (2/ 2/ 187).

[3] رواه البخاري، كتاب الحج، باب التهجير بالرواح يوم عرفة (1660).

[4] الشرح الممتع على زاد المستقنع، (4/ 217، 218).

[5] انظر: بدائع الصنائع، (1/ 157)؛ الدر المختار، (1/ 560)؛ المجموع، (4/ 134)؛ الكافي، (1/ 182)؛ مجلة الدعوة السعودية، رقم العدد: 967، بتاريخ 4/ 3/ 1405هـ؛ أحكام الإمامة والائتمام، (ص 79).

[6] متن العقيدة الطحاوية، (ص 45).

[7] طبقات الحنابلة، (2/ 304)؛ المغني، (3/ 20).

[8] مجموع فتاوى ابن باز، (12/ 118).

ورد
09-22-2022, 12:44 AM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك

سمو الروح
09-22-2022, 03:21 AM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله
على ما قدمتي ,,,

أمير المحبه
09-22-2022, 10:43 AM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

محروم
09-23-2022, 08:17 AM
يعَطَيَكَ اَلَعَآفَيَـهَ عَلَىَّ اَلَإنَتَقَآء اَلَرَوًّعَـهَ
شَكَرَاًَ لَكَ مَنَ اَلَقَلَبَ عَلَىَّ هَذآ اَلَمَجَهَُوًّدَ ,
مَاَأنَحَرَمَ مَنَ عَطَـآءكَ اَلَمَمَيَزَّ يََ رَبَ !
دَمَتَ بَحَفَظَ اَلَلَهَ وًّرَعَآيَتَهَ

الامل الذهبي
09-23-2022, 08:15 PM
جزاك الله خيرا
شكراً لك من القلب على هذآ المجهُود
الله لا يحرمنا عطاءك

خلود المشاعر
09-24-2022, 09:16 AM
طرح رائع ومميز كالعادة
شكرا لك على روعة طرحك واختيارك
والله يعطيك العافية
كنت هنا /عزوف

شيخة الزين
09-24-2022, 05:40 PM





طرٍح رٍآئع كَ ع ـآدتك ...
يتمـآيل آليـآسمين شذى بجمـآل متصفحك ..
ؤتترٍآقص آلـ ؤرٍؤد متعطرة برٍؤعة مَ طرحته أنـآملك
لرٍؤحك أطيب آلـ ؤرٍد ؤأكـآليل آلـ زهرٍ

معطرٍة برٍقةرٍؤحك

https://upload.3dlat.com/uploads/13612773802.gif





عاشق الليل
08-17-2023, 01:03 PM
..





جزَآك آللَه خَيِرا
علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعله فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ
الفًردوسَ الأعلى
دمت بحفظ الله

http://up.3dlat.com/uploads/3dlat.com_14025248457.gif

سمير العباسي
09-09-2023, 04:35 AM
http://up.anin-ro7.com/do.php?img=6527

ميرا
01-18-2024, 12:17 AM
بارك الله فيك وعافاك
على الموضوع القيم
وجعله في ميزان حسناتك

https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/239.gif