المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن بطوطة.. ووقف الأواني المكسورة


ميرا
03-16-2024, 07:16 PM
محمد بن عبد الله الطنجي الشهير بابن بطوطة، من قبيلة لواتة البربرية، يُعد أشهر الرحالة عناية بالحديث عن الحالة الاجتماعية في البلاد التي تجول فيها.



موقف رقيق للغاية:
ابن بطوطة «أوقاف الأواني»، إذ قال عن تجربة شخصية له: «مررت يومًا ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكًا صغيرًا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني، وهم يسمونها الصَّحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم: اجمع شقفها، واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني. فجمعها، وذهب الرجل معه إليه، فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، وهذا من أحسن الأعمال؛ فإن سيد الغلام لا بُدَّ له أن يضربه على كسر الصحن، أو ينهره، وهو - أيضًا - ينكسر قلبه، ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرًا للقلوب، جزى الله خيرًا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا».

من هو ابن بطوطة؟
محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، (من قبيلة لواتة البربرية) الشهير بابن بطوطة
بطوطة هي أمه ويقال إن اسمها فطومة،
وُلد في مدينة طنجة بالمغرب عام 703هـ= 1304م. من أعظم الرحَّالة المسلمين وأوسعهم شهرة؛ حيث أمضى 28 عامًا (725 - 754ه= 1325 - 1353م) من حياته في أسفارٍ متَّصلة ورحلاتٍ متعاقبة،
أشهر الرحالة عنايةً بالحديث عن الحالة الاجتماعيَّة في البلاد التي تجوَّل فيها. كان الدافع وراء خروجه لرحلاته أوَّلًا أداء فريضة الحج، وبدأ رحلته من مدينة طنجة عام (725هـ = 1325م)، ويُمكننا تقسيم رحلاته كما جاءت في كتابه «تحفة النُّظَّار» إلى ثلاث رحلات:
الرحلة الأولى: تقع في الفترة الزمنيَّة (725 - 748هـ = 1325- 1347م)، زار فيها شمال إفريقيا، ومصر، وشرق إفريقيا، وجزيرة العرب، واليمن، ثُمَّ قصد القسطنطينية، وبعد أن أقام بها فترةً من الزمن عاد إلى الهند، ثم سافر مع أعضاء البعثة الدبلوماسيَّة التي أرسلها سلطان الهند محمد شاه، فزار جزائر الهند ومالديف وسيلان والصين.
الرحلة الثانية: استغرق سنتين في طريق عودته إلى المغرب؛ حيث وصل المغرب عام (750هـ= 1349م)، ثم بدأ رحلته الثانية بالتِّجوال في بلاد الأندلس.
الرحلة الثالثة: عاد إلى المغرب وبدأ رحلته الثالثة إلى غرب إفريقيا، في الفترة من (753هـ إلى 754هـ = 1353م).
عاد إلى فاس سنة (754هـ = 1353م)؛ ليُملي فيها وصفَ رحلته التي سمَّاها: «تحفة النُّظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، والمشهور باسم «رحلة ابن بطوطة»، وقد أملاها على ابن جُزَيِّ الكاتب، وذلك سنة (756ه= 1355م).
علَّق عليه ابن جُزي بقوله: لا يخفى على ذي عقلٍ أنَّ هذا الشيخ هو رحَّال العصر، ومَنْ قال: رحَّال هذه الملَّة لم يبعد.
كما وصفه المستشرق الروسي كراتشكوڤسكي بأنَّه آخر جغرافيٍّ عالميٍّ من الناحية العمليَّة؛ أي أنَّه لم يكن نقَّالةً اعتمد على كتب الغير، بل كان رحَّالةً انتظم محيط أسفاره عددًا كبيرًا من الأقطار[1].
بعد عودته الأخيرة إلى المغرب، تولَّى ابن بطوطة منصب القضاء إلى أنْ تُوفِّي في مراكش سنة (770هـ = 1368 - 1369م)، أو بعدها.
وقد أطلقت عليه جمعية كمبردج لقب "أمير الرحَّالين المسلمين".
قطع ما يقرب من خمسة وسبعين ألف ميل "120 ألف كم".

الموقف لافت للغاية، وأهم ما فيه الاهتمام بالحالة النفسية للمصاب:
هذا لم يكن موقفًا فريدًا نادرًا في الحضارة الإسلامية
مثل هذا الوقف وُجِدَ في بيروت في عهد الدولة العثمانية وعُرِف بوقف الإبريق
هناك أوقاف كثيرة عظيمة وهي مفهومة لنا ومنطقية:
وقف المساجد وقف المستشفيات وقف المدارس وقف الأسبلة

لكن ما يلفت النظر في الموقف هو الاهتمام بالحالة النفسية، وهذا منهج رباني:
لماذا نزلت سورة عبس؟
{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس: 1، 2].
لماذا نزل تصديق رب العالمين لعائشة رضي الله عنها في القرآن؟
عن عائشة: "وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ".
لماذا أخبر الله تعالى نبيَّه يوسف أنه سيُخبِر إخوتَه بأمرهم هذا؟
{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15]
لماذا أخبر الله نبيَّه محمد صلى الله عليه وسلم أنه سيعود لاحقًا إلى مكة؟
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [القصص: 85].
لماذا نعطي مَن حضر تقسيم الميراث، ولو لم يكن مستحقًّا له؟
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}. النساء: 8

الطريقة التي يعلمنا الله إياها مع المحتاجين:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 9، 10].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264]
(بعض الناس يعطي، لكنه يُتْبِع العطاء بكلمة تكسر نفس المـُعْطَى إليه: مع أنك لا تستأهل مثلًا، أو أتمنى أن ينفع هذا معك، أو خليك فاكر!)

على هذا النسق رأينا أوقافًا عجيبة في الحضارة الإسلامية:
من غريب الأوقاف وأجملها قصر الفقراء، الذي عمَّره في ربوع دمشق نور الدين محمود زنكي، فإنه لما رأى ذلك المنتزه مقصورًا على الأغنياء، عزَّ عليه ألا يستمتع الفقراء مثلهم بالحياة، فعمر القصر ووقف عليه قرية (داريّا) وهي أعظم ضياع الغوطة وأغناها.
في ظلِّ الدولة العثمانية وجدنا أوقافًا لإعارة الحليِّ والزينة في الأعراس والأفراح، فيستفيد من هذا الوقف الفقراء والعامَّة بما يلزمهم من الحليِّ لأجل التزيُّن به في الحفلات، ويُعيدونه إلى مكانه بعد انتهائها، فيتيسَّرُ للفقير أن يبرز يوم عرسه بحلَّة لائقة، ولعروسه أن تُحَلَّى بحلية رائعة مما يجبر خاطرهما!

التطبيق العملي:
نهتم بالحالة النفسية لمن حولنا، وخاصة عند الانكسار، ولو لأمر يسير
طَيِّب خاطر زوجتك، أو ابنك، أو جارك، أو صديقك، بكلمة، أو بموقف.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ..»



[1] إغناطيوس يوليانوڤتش كراتشكوڤسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي، 1/421.،

دحومي
03-16-2024, 09:21 PM
طرح رائع
تسلم يمينك ولا ننحرم من مواضيعك
الرائعة والجميله
عوافي

محروم
03-16-2024, 10:11 PM
يعَطَيَكَ اَلَعَآفَيَـهَ عَلَىَّ اَلَإنَتَقَآء اَلَرَوًّعَـهَ
شَكَرَاًَ لَكَ مَنَ اَلَقَلَبَ عَلَىَّ هَذآ اَلَمَجَهَُوًّدَ ,
مَاَأنَحَرَمَ مَنَ عَطَـآءكَ اَلَمَمَيَزَّ يََ رَبَ !
دَمَتَ بَحَفَظَ اَلَلَهَ وًّرَعَآيَتَهَ

اشراق
03-17-2024, 12:53 AM
سلمت اناملـك على هالمعلومات المفيدة
وفي انتظار المزيد من عطائك التاريخي
تحياتي

الامل الذهبي
03-17-2024, 01:02 AM
شكرا لك على الطرح
يسلمو

خلود المشاعر
03-19-2024, 08:36 AM
الله يعطيك العافية
على ابداعاتك وتميزك المتواصل
بانتظار جديدك الرائع والجميــــــل
دمت ودام لنا وجودك
لروحكك اكاليل الورد،

رهام
03-19-2024, 11:08 AM
*
*
*

فائدة تستحق المتابعة
https://www.raed.net/img?id=253162
*
*
*

ميرا
03-19-2024, 12:36 PM
كل الشكر لمرورك الراقي محروم

ميرا
03-19-2024, 12:36 PM
كل الشكر لمرورك الراقي اشراق

ميرا
03-19-2024, 12:36 PM
كل الشكر لمرورك الراقي خلود المشاعر

ميرا
03-19-2024, 12:36 PM
كل الشكر لمرورك الراقي رهام

ميرا
03-19-2024, 12:36 PM
كل الشكر لمرورك الراقي الامل الذهبي

ميرا
03-19-2024, 12:36 PM
كل الشكر لمرورك الراقي دحومي

سمير العباسي
04-11-2024, 01:33 AM
http://up.anin-ro7.com/do.php?img=6346