المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدرسة رمضان (1) (خطبة)


نبض المشاعر
02-24-2024, 04:33 PM
الخطبة الأولى

إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربَّنا على ما أنعمتَ به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:



فشهر رمضان شهر الصيام، فضله لا يخفى بين الشهور، وهو بحقٍّ مدرسةٌ لمن أحسن استثمارها والقيامَ بحقها، وبذل الجهد وثابر حتى يكون من الفائزين في هذا الشهر، وهي مدرسة تأسَّست يومَ أنْ فُرِض الصيام؛ في يوم الاثنين من شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة النبوية، ومقرها في كل ضمير حي، فكم كانت هذه المدرسة سببًا في هداية أُناس إلى طريق الحق، وكانت سببًا في تنبيه الغافلين وإيقاظهم من سُباتهم العميق.



مدرسة وضع أساسها رب العزة والجلال في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وأرسى منهاجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفدت الشياطين، ومَرَدَة الجن، وغُلقت أبواب النار، فلم يُفتَح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))[1].



عباد الله، مدة الدراسة والتكوين في هذه المدرسة تستغرق شهرًا كاملًا، ويتوج ذلك بأرقى شهادة من عند رب العالمين؛ في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))[2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))[3]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعامَ والشهواتِ بالنهار، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل، فشفِّعني فيه، قال: فيشفعان))[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفَّارة لِما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهن إذا اجتَنَبَ الكبائر))[5]، وغيرها من الآثار الواردة في فضل هذه المدرسة.



عباد الله، مواد الدراسة والتخرج في مدرسة الصيام متنوعة، ولعلي في هذه الخطبة أكتفي لكم بثلاث مواد:

المادة الأولى: مادة مقاصد الصيام:

وفي هذه المادة ينبغي أن نتعلم: لماذا فرض الله علينا الصيام؟ ما أهدافه؟ ما غاياته؟ ومعرفة الحكمة من التشريع يساعد في العبادة على بيِّنة؛ ومن هذه المقاصد:



1- مقصد طاعة الله بالصيام: الله أمرك بالصيام وقال لك: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، فصُمْ، ودرِّب أبناءك على الصيام.



2- مقصد تحقيق التقوى: وهي الغاية العظمى لفريضة الصوم؛ في قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، والتقوى هي طاعة الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، هذا ما ينبغي أن نتعلمه من الصيام، فمَن مرَّ عليه الشهر وزعم أنه صائم قائم، ثم بعد رمضان رجع إلى ما كان عليه من الفجور، ولم يُحِسَّ أنه ازداد قربًا من الله، أو أنه يُكْثِر من السبِّ والشتم في رمضان، فهذا ما حقق المقصد الحقيقي من الصيام؛ وهو التقوى.



3- مقصد تحقيق الفوائد الصحية: فالصوم يحقق منافع بدنية بالتبعية، ولكن وجب الحذر – إخواني - من أمر النية في الصوم، ولا بد من تصحيحها، فنحن نصوم طاعة لله أصالةً، ثم بعد ذلك إن تحققت لنا منافع صحية؛ كامتصاص السموم من الجسم، وتوفير الراحة للمعدة والأمعاء، والحد من الاكتئاب والقلق والتوتر، وغيرها مما هو من اختصاص الأطباء، وما أسفرت عنه البحوث العلمية في الصوم؛ فهذا بركة وفضل من الله.



المادة الثانية: التدبير الزمني لرمضان:

الناس في رمضان يضبطون مواقيتهم وساعاتهم، فيحرصون على معرفة وقت أذان الفجر، ووقت أذان المغرب، فضلًا عن أوقات باقي الصلوات، والمرأة تضبط الوقت كي يكون الفطور في موعده، وكذلك السحور، والناس تضبط مواعيدها، وهم مع ذلك يحسبون الأيام حسابًا دقيقًا، فيقولون: رمضان مضى منه كذا، ونحن في الأسبوع الثاني، أو قد دخلنا في العشر الأواخر؛ حرصًا منهم على المزيد من الاجتهاد لإدراك ليلة القدر أو الاعتكاف.



وإذا بقِيَ يومان يتأهبون لاستقبال العيد، ويسألون عن مدى إمكانية إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، وهكذا.



والخلاصة: إن رمضان يعلمنا تدبير أوقاتنا، ولكن للأسف نجد مِنَ الناس مَن لا يحسن هذا التدبير، فيضيع وقته بين الهاتف والتلفاز، ووسائل التواصل الاجتماعي، والرفقة السيئة، أو في النوم، وقد ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء قصةً ليحيى بن يحيى الليثي وقد ذهب من الأندلس لتلقي العلم عن الإمام مالك، وبينما هم في مجلسه، هبُّوا جميعًا لرؤية فيل دخل إلى المدينة، فلم يبقَ مع الإمام مالك إلا يحيى بن يحيى الليثي، فقال له مالك: لماذا لم تذهب أنت لرؤية الفيل؟ قال: أنا جئت من الأندلس لرؤية الإمام مالك، وليس الفيل.



فكانت رواية يحيى بن يحيى الليثي للموطأ أجود رواية، ولم يذكر لنا التاريخ أحدًا ممن ذهبوا لرؤية الفيل، والفائدة - إخواني - من القصة أن الكثير من الناس إذا دخل رمضان، انشغلوا برؤية الفيل المتمثل في لصوص رمضان الذين يعدون البرامج التافهة قبل رمضان لإشغال الناس بها، الذين سخَّرهم الشيطان الأكبر لينوبوا عنه في تنفيذ المهمة قبل تصفيده، وغَفَلُوا عن استثمار أوقاته فيما ينفعهم من أنواع الطاعات والقُرُبات.



فاللهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:

المادة الثالثة: مادة المناهج وبرامج رمضان.

عباد الله: التخطيط أساس النجاح، فكيف نستغل فرصة إدراكنا وانتسابنا لمدرسة رمضان؛ حتى يتحقق لنا الفوز الذي وُعِدنا به في رمضان؟ هذا ما سأختصره لي ولك في النقاط الآتية؛ فأَعِرْني سمعك وقلبك؛ لأن المقام يقتضي الفَهم، ثم العمل بعد ذلك.



ضع برنامجًا مناسبًا لتحقيق المقاصد السابقة في رمضان مع التدبير الزمني لوقتك.



وأقترح عليك - مثلًا - أن يتضمن البرنامج الآتي:

• عدد مرات ختمك للقرآن خلال هذا الشهر: حاول ختم القرآن على الأقل مرة في هذا الشهر، فإذا قرأت حزبًا في الصباح، وحزبًا في المساء، ختمتُه، وإن زدتَ أكثر من ذلك، فهذا فضل.



• برنامج للمحافظة على الصلوات: الخمس في أوقاتها، ولصلاة التراويح مع الجماعة، وبرنامج لقيام خاص بك، صُغ لأبنائك ورقةً تتضمن الصلوات الخمس، وصلاة التراويح، وبعض أنواع الطاعات الأخرى.



• برنامج صدقات وإنفاق في سبيل الله: فلا يمر عليك اليوم إلا وتصدقت بشيء، ولو يسيرًا، فاتقوا النار ولو بشق تمرة.



• برنامج لتفطير الصائمين: فمن فطَّر صائمًا، كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئًا.



• برنامج للأسرة: يتضمن صوم الأطفال، وجلسات للذكر، وقراءة القرآن، وتفسير آية أو شرح حديث بصورة يومية منتظمة.



• حدد أدعية بالأمور التي تريد من الله أن يحققها لك؛ لتكررها عند الإفطار، وفي السَّحَرِ يوميًّا، وتعرَّف على جوامع الأدعية؛ مثل: ((اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني)).



• حدد خُلُقًا سيئًا تريد التخلص منه؛ فرمضانُ خير معين لك؛ كالتدخين، وظاهرة السب والشتم، أو الغضب، وغيرها.



• حدد خلقًا حسنًا تريد تنميته؛ كالمحافظة على الصلاة، والالتزام بالحجاب الشرعي.



وكلٌّ منا أدرى بما سيضيفه في برنامجه، واحرص أن يكون مكتوبًا؛ لأنك في مدرسة الصيام التي يُرجَى منها تحقيق النتائج إن صدقت عزيمتك، وصحَّ توكلك على الله.



فاللهم بارك لنا في رمضان، واهدِنا فيه لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها؛ فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.



تتمة الدعاء.

ميرا
02-24-2024, 04:59 PM
سَلِمت الأنَامِل المُتألِقة لِروعَة طَرحهَا
دَام العطَاء والتَميّز المُتواصِل
لرُوحك السّعادة

محروم
02-24-2024, 06:16 PM
يعَطَيَكَ اَلَعَآفَيَـهَ عَلَىَّ اَلَإنَتَقَآء اَلَرَوًّعَـهَ
شَكَرَاًَ لَكَ مَنَ اَلَقَلَبَ عَلَىَّ هَذآ اَلَمَجَهَُوًّدَ ,
مَاَأنَحَرَمَ مَنَ عَطَـآءكَ اَلَمَمَيَزَّ يََ رَبَ !
دَمَتَ بَحَفَظَ اَلَلَهَ وًّرَعَآيَتَهَ

احمد خالد
02-25-2024, 05:44 AM
طرح جميل و راقي
يعطيك العافيه

اشراق
02-25-2024, 06:22 AM
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
لك خالص احترامي