المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدرسة رمضان (4) (خطبة)


نبض المشاعر
02-24-2024, 04:28 PM
الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّه، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفِسِنَا وَمَنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَحْمَدُكَ رَبَّنَا عَلَى مَا أنعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِكَ العَظِيمَةِ، وآلائِكَ اَلْجَسِيمَةِ؛ حَيْثُ أرْسَلتَ إلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِكَ، وأنْزَلْتَ عَلَينَا خَيْرَ كُتُبِكَ، وشَرَعْتَ لَنَا أَفْضَلَ شَرائِعِ دِينِكَ، فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إذَا رَضِيتَ، وَلَكَ اَلْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، أَمَّا بَعْدُ:



أيُّهَا الإخْوَةُ المُؤمِنُونَ، من المواد التي نتعلَّمها من مدرسة رمضان:

8- مادة الاعتكاف:

سبق الحديث عن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلمفي العشر الأواخر من رمضان، ومن مظاهر هذا الاجتهاد أنه يعتكف فيها؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ ويقولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ" [1].



ومعنى المُجاورة الاعتكاف، فكانَ يُلازم المَسجد لا يُفارقه طيلة العشر، يخلو بربِّه ويُناجيه، ويعتزل شرور الناس - نسأل الله عز وجل أن يُيسِّر أمر إحياء هذه السُّنَّة في مساجدنا - قال الزهري: "عَجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَتركه منذ دخلَ المدينةَ كل عامٍ في العشر الأواخرِ حتَّى قَبضَه الله تعالى"، أمَّا والحالة هذه والأمر يصعبُ، فيُمكن الأخذ بمذهب الجُمهور القائلين بأن: أقلَّ مدة الاعتكافِ لحظةً، فأنتَ جالسٌ في المسجدِ بين المغرب والعشاء، أو بعدَ الظهر أو العصر أو الفجر لحظات تنوي بها الاعتكاف، يحصل لك الأجر بنيَّتِك إن شاء الله.



وإن لم يتيسَّر لك هذا ولا ذاك فاعتزِل الشرَّ، وليسَعكَ بيتُك، تذكُر ربَّك وتبكِي على خطيئتِك، فهذه الخَلوة فرصةٌ لتختلِي بنفسِك وتُجدِّد إيمانك.



9- مادة التفسير (تفسير سورة القدر):

لماذا يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما أسلفنا؟ كان يفعل كل الاجتهادات السابقة؛ من شدِّ المئزر، وإحياء اللَّيل، وإيقاظ الأهلِ والاعتكاف؛ يتحرَّى ليلة القدر، هذه الليلة المباركة التي هي خيرٌ من ألف شهر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].



قال المفسِّرون:

1- ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾: إنا أنَزلنا القرآن جملةً إلى السماء الدنيا كما ابتدأنا إنزاله على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة القدر من شهر رمضان.



2- ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾: وهل تدري -أيها النبي- ما في هذه الليلة من الخير والبركة؟!



3- ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾: هذه الليلة ليلة عظيمة الخير، فهي خير من ألف شهر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، العمل الصالح فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيه ليلة القدر.



4- ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾: تنزل الملائكة وينزل جبريل عليه السلام فيها بإذن ربهم سبحانه بكلِّ أمر قضى الله في تلك السنة رزقًا كان أو موتًا أو ولادة أو غير ذلك مما يقدره الله.



5- ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾: هذه الليلة المباركة خير كلها من ابتدائها حتَّى نهايتها بطلوع الفجر.



عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: "اعْتَكَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ الأُوَلِ مِن رَمَضَانَ واعْتَكَفْنَا معهُ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا معهُ فأتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِن رَمَضَانَ، فَقالَ: مَن كانَ اعْتَكَفَ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلْيَرْجِعْ، فإنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُهَا، وإنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في وِتْرٍ، وإنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أسْجُدُ في طِينٍ ومَاءٍ وكانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وما نَرَى في السَّمَاءِ شيئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى رَأَيْتُ أثَرَ الطِّينِ والمَاءِ علَى جَبْهَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ"[2].



استفدنا من الحديث السابق جملة أمور؛ منها:

• أن ليلة القدر في رمضان، وأنها في العشر الأواخر.



• أنها في الأوتار من العشر الأواخر؛ وهي ليلة:21 و23 و25 و27 و29، وأرجى ليلة هي ليلة سبع وعشرين عند جماهير العلماء، فاجتهد في العشر كلها بأشفاعها وأوتارها تدركها بإذن الله، ولا تجزم بأنها ليلة سبع وعشرين للروايات المتعددة، قال الإمام النووي عليه رحمة الله: لا طريق للجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها.



• أنه كان يعتكف فيها وقد سبق الحديث عن الاعتكاف.



• أن لها علامات، ومن علامتها في تلك السنة أن يسجد النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتها في مَاء وطين.



فما العمل في هذه اللَّيالي لمن يَرُوم إدراك ليلة القدر؟

1- الصلاة والقيام وقراءة القرآن: صلِّ العِشاء والفجر في جماعة، صلِّ صلاة التراويح، صلِّ ما شِئت من صلاة التَّهجُّد مع الجَماعة أو بمفردِك، اختم ذلك كله بوِتر؛ قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[3].



2- الإكثار من الصَّدقة: على الفُقراء والمُحتاجين، فالصَّدقة يعظُم قدرُها في رمضان كلِّه، وفي ليلة القدر إن وفِّقت لإدراكِها.



3- الإكثار من الدعاء: سواءٌ بالمأثور أو بما تعرفُه من خيري الدنيا والآخرة؛ عن عائشة رضي الله عنها: "قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: " قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي "[4].



4- الإكثار من التَّوبة والاستغفار: تُبْ إلى الله فيما قصَّرت فيه من حُقوقه؛ كالصَّلاة وإخراج الزكاة، تُبْ إلى الله فيما قصَّرت فيه من حقوق العِباد وذلك بردِّ الحقوق إلى أصحَابها، صَالِح إخوانَك وأقاربَك إذا كان بينَكم شَنَئَان، لِيَلهَج لسانُك بالذكر والاستغفار؛ قال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].



فاللهم اجعلنا من المُجتهدين في هذه العشر الأواخر، ووفِّقنا لإدراكِ ليلة القَدر، آمِينْ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.



الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اقْتَفَى، نختم هذه الخطبة بمادَّة عاشرة، وهي:

6- مادة الفقه (فقه زكاة الفطر):

عِبَادَ اللَّهِ،نُكْمِل صِيامنا بإخراجِ زكاةِ الفطر؛ لِنفرِح معنا الفقراء والمساكين، ونُحقِّق التضامن والتعاون داخل المجتمع؛ إذ المسلمون كالجسد الواحد "إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"[5].



ما مقاصد زكاة الفطر ولمَنْ تُدفَع؟

من مقاصدِها، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ"[6]، فهي طُهرة للصَّائم فتكون بمثابة سجدتي السهو للصلاة، وإغناء للمساكين عن السؤالِ في يوم العِيد، ثم إننا نشكر الله على إتمام الصِّيام، وحُصول الأجرِ وتمام السرورِ، فهي إذن تدفعها للفقراء في محلِّ سُكناك، ولا تُنقل إلى مكان آخر إلا لضرورة، ويجوز تفريق زكاة فطر رجل واحد على فقراء متعددين، ويجوز جمع زكاة متعدِّدين لفقير واحدٍ.



على من تجب؟

زكاة الفِطر تجب على كلِّ مُسلم صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، والجَنِين في بطنِ أمِّه لا تجب ولكن تُستحبُّ، والأبُ يُخرِجُها عن أولادِه الصِّغار، ويُخرِجُها الزَّوج عن زوجتِه، وتَجِب على كلِّ مَنْ مَلَك قُوتَ يَومِه، وأجمعَ أهلُ العِلم أنَّها لا تَجبُ على المُعسر الذي لا شيءَ لَه.



متى نُخرجها؟

لزكاةِ الفطر وقتَان:

وقتُ فضيلة: من غروب الشمس ليلة العيد إلى ما قبيل صلاة العيد، وأفضله بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وهذا لِمن يوجد الفقير بالقربِ منه.



ووقت إجزاء: وهو جواز إخراجها قبل يوم العِيد بيوم أو يومين، ويحرمُ إخراجها بعد صلاة العيد إلا لِمن له عذر كالنِّسيان، فمن نَسي؛ أخرجها قضاءً، كما أنه يجوز التوكيلُ في إخراجها (مثلًا من له قريب في ديار المهجر فيوكِّله لإخراجها بدلًا منهُ).



مِمَّ أخرجها؟ وما مقدار ما أخرجُه؟

تُخرج من غالب قوت أهل البلدِ، ومقدارها صاع نبوي (أي: أربع حفنات)، وقدِّر اليوم ب 2.5 كيلو، ومن رَغب في إخراجها قيمةً فلَه ذلك؛ لوجود اجتهاد فقهي مُعتبر، ووفاقًا لفتوى المجلس العلمي الأعلى الذي أفتى بجواز إخراجها قيمةً؛ تيسيرًا على النَّاس ورفع الحَرج، والأمر في ذلك واسع، وعلى القول بالقيمة نُخرجُ قيمة 2.5 كيلو بالدراهم، وإن زدتَ على ذلك فهو فضلٌ وخيرٌ.



فاللَّهم طهِّر صِيَامنا من اللَّغو والرَّفث، اللهم إنَّك عفوٌّ تحِبُّ العفوَ فاعفُ عَنَّا. (تتمة الدعاء).

ميرا
02-24-2024, 05:00 PM
سَلِمت الأنَامِل المُتألِقة لِروعَة طَرحهَا
دَام العطَاء والتَميّز المُتواصِل
لرُوحك السّعادة

محروم
02-24-2024, 06:14 PM
يعَطَيَكَ اَلَعَآفَيَـهَ عَلَىَّ اَلَإنَتَقَآء اَلَرَوًّعَـهَ
شَكَرَاًَ لَكَ مَنَ اَلَقَلَبَ عَلَىَّ هَذآ اَلَمَجَهَُوًّدَ ,
مَاَأنَحَرَمَ مَنَ عَطَـآءكَ اَلَمَمَيَزَّ يََ رَبَ !
دَمَتَ بَحَفَظَ اَلَلَهَ وًّرَعَآيَتَهَ

اشراق
02-25-2024, 06:18 AM
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
لك خالص احترامي