المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطعن في الأعراض


محروم
12-08-2023, 03:17 PM
لا زلنا مع الحديث عن مَخاطر اللسان، وبيان مختلف الآفات التي يجترحها، إنْ هو بَعُد عن شرع الله، وانزلق إلى مهاوي الاعتداء؛ سبًّا، وشتمًا، وكذبًا، وإشاعةً.

ولقد كنت متخوِّفًا من الحديث عن موضوع الغِيبة الذي هو أبرز منْزَلَقات اللسان؛ لعلمي أننا جميعًا نقع فيها - إلا مَن رحم اللهُ - ونخشى أن ندعو إلى التنَزُّه عن شيء نحن أول مَن يقع فيه.

لكنْ حينما ترتقي الغِيبة إلى درجة النهْش في الأعراض، وهَتْك الأستار، وقضْم لحوم الناس بالباطل، والاعتداء على حرمات العلماء - آنذاك يتبَدَّى أن التنبيه على هذه الأمور ضروري، وأن تجاوُزَها خلَلٌ في مبدأِ النصح لأئمَّة المسلمين وعامتهم، كما جاء في الحديث الشريف.

قال - تعالى -: ﴿ وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات : 12].

اعلم - بارَك الله فيك - أنَّ الغِيبة عرَّفها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين سأل الصحابة، فقال: ((أتدرون ما الغِيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكْرُك أخاك بما يَكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبْتَه، وإن لم يكن فيه فقد بَهتَّه))؛ مسلم.

وقال الإمام النووي - رحمه الله -: "الغِيبة: ذكر المرء بما يكرهه، سواءٌ كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته... أو غير ذلك ممَّا يتعلَّق به، سواء ذكرتَه باللفظ، أو بالإشارة والرمز".

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: حسْبُك مِن صفية كذا وكذا - تَعني: قصيرة - فقال: ((لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لمزجتْه))، قالت: وحَكَيت له إنسانًا، فقال: ((ما أُحِبُّ أنِّي حكيت إنسانًا وأنَّ لي كذا وكذا))؛ "صحيح أبي داود".

وهذه المصيبة هانت على كثيرٍ من الناس، حتى رأيناهم يتمضمضون بالأعراض، مع أن أعراضهم بين سِنَّي المِقراض.

يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: "ومن العجب أن الإنسان يَهُون عليه التحفُّظُ والاحتِراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرَّم... وغير ذلك، ويصعب عليه التحفُّظ من حركة لسانه، حتى نرى الرجل يُشار إليه بالدين، والزهد، والعبادة، وهو يتكلَّم بالكلمات مِن سخَط الله لا يُلقِي لها بالاً... وكم ترى من رجل متورِّع عن الفواحش والظلم، ولسانه يَفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يُبالي ما يقول".

ويَعظم هذا الأمرُ حين يتعلَّق بأعراض العلماء: منارات الأمَّة، وورثة الأنبياء، وهُدَاة الحيارى.

قال الطحاوي - رحمه الله -: "وعلماء السلف من السابقين، ومَن بعدهم مِن التابعين، أهل الخير والأثر، أهل الفقه والنظر - لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومَن ذكَرَهم بسوءٍ فهو على غير السبيل".

وكان الشيخ طاهرٌ الجزائري - رحمه الله - يقول وهو على فراش الموت: "عُدُّوا رجالَكم، واغفروا لهم بعض زلاَّتِهم، وعَضُّوا عليهم بالنواجذ؛ لتستفيد الأمَّة منهم، ولا تُنفِّروهم؛ لئلاَّ يزهدوا في خدمتكم".

وقال الحسن: "كانوا يقولون: موت العالم ثُلمة في الإسلام، لا يسدُّها شيء ما اختلف الليل والنهار".

ويقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: "ومن عقيدة أهل السنة والجماعة، أنهم يَدِينون الله باحترام العلماء الهداة".
مَا الْفَضْلُ إِلاَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ ♦♦♦ عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ

فلماذا إذًا تَمتلئ بعض مجالس طلاب العلم الشباب بالحديث عن العلماء؛ تجريحًا وطعْنًا، وذِكرًا لمثالبهم، وتصيُّدًا لهفواتهم، وبخاصةٍ حينما تُبنى هذه التجريحات على الظنون الفاسدة، أو النقول الكاذبة، أو التأويلات الباطلة؟
لاَ تُرْسِلَنَّ مَقَالَةً مَشْهُورَةً
لاَ تَسْتَطِيعُ إِذَا مَضَتْ إِدْرَاكَهَا
لاَ تُبْدِيَنَّ نَمِيمَةً نُبِّئْتَهَا
وَتَحَفَّظَنَّ مِنَ الَّذِي أَنْبَاكَهَا


قال أبو سنان الأسدى: "إذا كان طالب العلم - قبل أن يتعلم مسألةً في الدين - يتعلم الوقيعة في العلماء، متى يُفلِح؟"، ألا يعلم هؤلاء أن لحوم العلماء مسمومة، يُخشَى من سوء عَواقِب الوقيعة فيها؟

قال الحافظ ابن عساكر: "اعلم - يا أخي، وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإيَّاك ممَّن يخشاه ويتقيه حقَّ تُقَاته - أنَّ لحومَ العلماء مَسمُومة، وعادةَ الله في هَتْكِ أستار مُنتقِصيهم معلومة، وأنَّ مَن أطلق لسانه في العلماء بالثَّلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".
وقال ابن المبارك: "مَن استخفَّ بالعلماء، ذهبت آخرته".
ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لا يعجبنَّكم طنطنة الرجل، ولكن مَن أدَّى الأمانة، وكفَّ عن أعراض الناس، فهو الرَّجُل".
ومِن عجبٍ أن علماءَنا كانوا يصبرون إذا تُكُلِّم فيهم، وتُهُكِّم بهم، ورُمُوا بالنقائص والشتائم.
قال رجل للفضيل بن عِياض: "إن فلانًا يغتابني، قال: قد جلب لك الخير جلبًا".
وقال عبدالرحمن بن مهدي: "لولا أني أكره أن يُعصى الله، تمنيت ألا يَبقى في هذا العصر أحدٌ إلا وقع فِيَّ واغتابني، فأيُّ شيءٍ أهنأ مِن حسَنةٍ يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها، ولم يعمل بها"؟!
وقال رجل للحسن البصري: "إن فلانًا قد اغتابك" فبعث إليه طبقًا من الرُّطَب، وقال: "بلَغني أنك أهديتَ إليَّ حسناتِكَ، فأردتُ أن أكافئك عليها".

فالغيبة تأكل من حسنات صاحبها، ثم تكون عليه حسرةً وندامةً، ولقد قال رجل لعمرو بن عبيد: "إن الأسواري ما زال يَذكُرك في قَصَصِه بِشرٍّ، فقال له عمرو: يا هذا، ما رعيتَ حقَّ مُجالسةِ الرجل؛ حيث نقلْتَ إلينا حديثَه، ولا أدَّيْتَ حقي حين أعلمتني عن أخي ما أَكره، ولكنْ أَعلمه أنَّ الموت يَعُمُّنا، والقبرَ يضمُّنا، والقيامةَ تجمعنا، والله - تعالى - يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين".
الصَّمْتُ زَيْنٌ وَالسُّكُوتُ شَجَاعَةٌ
فَإِذَا نَطَقْتَ فَلاَ تَكُنْ مِكْثَارًا
فَإِذَا نَدِمْتَ عَلَى سُكُوتِكَ مَرَّةً
فَلَتَنْدَمَنَّ عَلَى الْكَلاَمِ مِرَارًا


الخطبة الثانية
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لما عُرج بي، مررْتُ بقوم لهم أظفار مِن نُحاس، يَخمشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم"؛ "سنن أبي داود"، وهو في "الصحيحة".

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة - يَذكر مِن كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها - غير أنَّها تُؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار)) قال: يا رسول الله، فإن فلانة - يذكر من قلة صيامها، وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار (القطع) من الأَقِط، ولا تؤذي جيرانها، قال: ((هي في الجنة))؛ "صحيح الترغيب".

هذا جَزاء مَن يتفكَّه في المجالس بذِكْر ما يكرهه إخوانه، ويقع في أعراضهم، قال ابن سيرين: "عَيَّرت رجلاً وقلت: يا مفلس، فأفلسْتُ بعد أربعين سنة".

ويتوهَّم بعض الناس، أنه إذا كان الرجل متَّصِفًا حقيقةً بما يُقال فيه، فإن ذلك لا بأس به، وهو مَدخل من مداخل الشيطان؛ ليزرع العداوة بين الناس؛ فعَن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنهم ذَكروا عند رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً فقالوا: لا يأكل حتى يَطعم، ولا يرحل حتى يُرَحَّل له، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اغتبتموه))، فقالوا: يا رسول الله، إنما حدثنا بما فيه، قال: ((حسْبُك إذا ذكرتَ أخاك بما فيه))؛ "صحيح الترغيب والترهيب".

فلا تذكر أخاك بعيب خُلُقي أو خِلْقي، لا تقُلْ: هو أعرج، أو أعمى، أو قصير، أو طويل، أو سمين، أو نحيف، وما أشبه ذلك ممَّا يَتأذَّى منه لو سمعه.

ولقد ذهب عددٌ من الأئمَّة - منهم الإمام مالك - إلى أنه يَجب أن يتحلَّل مِن الذي اغتابه؛ بدليل قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كانت له عند أخيه مَظْلمةٌ مِن عِرضه أو مِن شيء، فليتحلَّل منه قبل ألا يكون دينار ولا درهم))؛ "صحيح الترغيب".

وقال سلمان لأبي الدرداء موصيًا له: "أمَّا بعد، فإني أوصيك بالإكثار من ذكر الله؛ فإنه دواء، وبالإقلال من ذكر الناس؛ فإنه داء".



..

ماهمني فراقه
12-08-2023, 06:28 PM
جزاك الله خييير محروم

يعطيك العافيه مررره

فراشة آيلول
12-08-2023, 07:47 PM
محروم
جزاك الله خير

فرح
12-09-2023, 12:08 AM
تحيآتي والف شكر أسعدني طرحك الرآقي
لآعدمنآك بإنتقآئك الجميل الرآئع
لآ خلآ ولآ عدم ننتظر جديدك
بشوق الله يعطيك
العآفية

اماني
12-09-2023, 12:33 AM
يتجسد الابداع دائما في مواضيعك
عندما يكون لها هذا التميز
مجهود جدا رائع..
تحياتي لك

سمير العباسي
12-09-2023, 05:03 AM
http://up.anin-ro7.com/do.php?img=6527

شيخة الزين
12-09-2023, 10:39 AM





طرٍح رٍآئع كَ ع ـآدتك ...
يتمـآيل آليـآسمين شذى بجمـآل متصفحك ..
ؤتترٍآقص آلـ ؤرٍؤد متعطرة برٍؤعة مَ طرحته أنـآملك
لرٍؤحك أطيب آلـ ؤرٍد ؤأكـآليل آلـ زهرٍ

معطرٍة برٍقةرٍؤحك

https://upload.3dlat.com/uploads/13612773802.gif





شجون الليل
12-09-2023, 03:16 PM
سلمت اناملك لروعـة طرحك
وكل الثنـاء لجميـل آنتقائــك

اشراق
12-10-2023, 05:46 AM
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
لك خالص احترامي

قمر هادي
12-11-2023, 08:12 PM
موضوع مميز
كل الشكر للانتقاء الراقي
تقديري

رهام
12-12-2023, 04:54 PM
*
*
*

فائدة تستحق المتابعة
https://www.raed.net/img?id=253162
*
*
*

شيخة الزين
12-14-2023, 07:30 AM





طرٍح رٍآئع كَ ع ـآدتك ...
يتمـآيل آليـآسمين شذى بجمـآل متصفحك ..
ؤتترٍآقص آلـ ؤرٍؤد متعطرة برٍؤعة مَ طرحته أنـآملك
لرٍؤحك أطيب آلـ ؤرٍد ؤأكـآليل آلـ زهرٍ

معطرٍة برٍقةرٍؤحك

https://upload.3dlat.com/uploads/13612773802.gif





دلع
12-14-2023, 08:52 PM
جزاك ربك خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك

ميرا
01-02-2024, 07:14 PM
سَلِمت الأنَامِل المُتألِقة لِروعَة طَرحهَا
دَام العطَاء والتَميّز المُتواصِل
لرُوحك السّعادة

https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gifhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (153).gifhttps://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif

نبض المشاعر
01-09-2024, 07:03 PM
سلّمكم المولىً يً عًذبْين !
وأًثآبكم ع روعةٍ هذآ ال ْطرح
ولآحرمكم الأجرْ يً ربْ

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
فراشة أيلول
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
فرح
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
اماني
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
سمير العباسي
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
شيخة الزين
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
شجون الليل
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
اشراق
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
دمعه حنين
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
قمر هادي
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:55 PM
شهد
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:56 PM
رهام
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:56 PM
ميرا
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
02-27-2024, 06:56 PM
نبض المشاعر
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

قَلبْ
05-08-2024, 12:19 PM
بارك الله فيك
و نفعنا واياك بما جلبت

أشواق
05-08-2024, 12:49 PM
جزاكك الله خير
طرح قيم
سلمت الايادي

محروم
05-08-2024, 04:53 PM
اشواق
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير

محروم
05-08-2024, 04:53 PM
قلب
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير