من الآية 1 إلى الآية 9: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالسماء ذات المنازل التي تسير فيها الكواكب والنجوم)، ﴿ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ﴾ (يعني: ويُقسِم سبحانه بيوم القيامة الذي وَعَدَ اللهُ الخلقَ أن يجمعهم فيه)، ﴿ وَشَاهِدٍ ﴾ يَشهد، ﴿ وَمَشْهُودٍ ﴾يُشهَد عليه، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾: أي لُعِنَ الذين شَقُّوا في الأرض شقًا عظيمًا لتعذيب المؤمنين، ثم فَسَّرَ سبحانه ما في هذا الأخدود بقوله: ﴿ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴾ يعني: وأوقدوا النارَ الشديدة ذات الحطب الكثير (ليَزيدها اشتعالاً)، ﴿ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴾ أي مُلازِمونَ للأخدود، قريبون من النار، ليضيفوا لها الوقود إذا أُطفِئَت، ﴿ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴾ أي حضورٌ، قائمونَ على تعذيب المؤمنين، ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ﴾ يعني: وما أخذوهم بهذا العقاب الشديد إلا لأنهم آمنوا بالله ﴿ الْعَزِيزِ ﴾ أي الغالب، ﴿ الْحَمِيدِ ﴾ أي الذي يَستحِق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وما فيهنّ (لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادة والتشريع) ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ (إذ شَهِدَ سبحانه على أعمال عباده في الدنيا، وسيُجازيهم بها في الآخرة).
الآية 10، والآية 11: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي فَتَنوهم عن دينهم فأحرَقوهم بالنار؛ ليَصرفوهم عن دين الله تعالى ﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ﴾ مما فعلوا: ﴿ فَلَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾ بأنواعه المختلفة، وخصوصاً: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ أي لهم عذابٌ مُحرِق مُضاعَف في جهنم (جزاءً لهم على إحراقهم للمؤمنين بالنار)، (واعلم أن الآية عامة في كل مَن فَتَنَ المؤمنين عن دينهم)، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ وتركوا الشرك والمعاصي ﴿ لَهُمْ جَنَّاتٌ ﴾ أي حدائق جميلة المَنظر (فيها من كل أصناف النعيم الذي يتخيلونه، والذي لا يَخطُر أيضاً على قلوبهم)، ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها المتدلية وقصورها العالية، ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ الذي لا فوز مِثله.
من الآية 12 إلى الآية 16: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾: يعني إن انتقام ربك من أعدائه لَعظيمٌ شديد، ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴾أي يُبدئ الخلق في الدنيا، ثم يعيده كما بدأه، ليُحاسب خَلْقه ويُجازيهم (وكذلك يبدئ البطشبأعدائه فى الدنيا، ثم يعيده عليهم فى الآخرة بصورةٍ أشد وأبقى)، ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ ﴾ لمن تاب إليه، ﴿ الْوَدُودُ ﴾ أي كثير المَوَدّة والمَحَبّة لأوليائه (فهو سبحانه يُحب عباده المؤمنين وهُم يُحبونه)، ﴿ ذُو الْعَرْشِ ﴾ أي صاحب العرشِ ﴿ الْمَجِيدُ ﴾ الذي بلغ المُنتهَى في الفضل والكرم (فالمَجيد هنا صفةٌ لله تعالى وليست للعرش، إذ الكلام فيه تقديم وتأخير، فكأنه قيل: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ الْمَجِيدُ ذو العرش))، ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ أي لا يَمتنع عليه شيءٌ يريده.
من الآية 17 إلى الآية 22: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ﴾؟ يعني هل جاءك أيها الرسول خبر الجموع الكافرة المُكَذِّبة لأنبيائها؟ ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ وما حَلَّ بهم من العذاب، ﴿ بَلِ ﴾ لم يَعتبر قومك بذلك، ولكنّ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ﴾ أي في تكذيب متواصل كعادة مَن قبلهم، ﴿ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ﴾ أي قد أحاط بهم عِلماً وقدرة، (فهُم في قبضته وتحت سلطانه وقهره)، ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ ﴾ يعني: وليس القرآن كما زعموا بأنه شِعرٌ وسِحرٌ ليصرفوا الناس عنه، ولكنه قرآنٌ عظيمُ الخير والنفع، وإنه مكتوبٌ ﴿ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ لا يصيبه تبديل ولا تحريف.
♦ ♦ ♦